تريند 🔥

🌙 رمضان 2024

فيلم Poor Things.. امرأة تجمع بين وحش فرانكشتاين وأليس في بلاد العجائب!

poor things vs alice in wonderland vs Frankenstein arageek art
أحمد يحيى عزيز
أحمد يحيى عزيز

9 د

يعتبر فيلم Poor things آخر أفلام النجمة إيما ستون والتي قدمت به أداءً رائعًا نالت بسببه ثاني جائزة لها كأحسن ممثلة دور أول في "الأوسكار" و"بافتا" و"جولدن جلوب" بعد سبعة أعوام.

كانت المرة الأولى في تلك الجوائز عن دورها بفيلم La La Land، كما أنه الفيلم الأخير أيضًا للمخرج اليوناني المتميز يورجوس لانثيموس Yorgos Lanthimos وثاني أفلامه ترشحًا لجائزة أفضل فيلمًا في موسم جوائز الأوسكار بعد فيلم The Favourite. 

كما أن الفيلم الذي نتناول عناصره فنيًا اليوم في "أراجيك فن"، يجمع عدد كبير من النجوم الكبار أبرزهم ويليام ديفو ومارك رافللو ورامي يوسف وغيرهم. 

فيديو يوتيوب

سريالية فيلم Poor Things

يحكي الفيلم عن "بيلا" امرأة بعقل طفلة، تخرج من عالم مكتشفها وصانعها الدكتور جودوين باكستر، هاربة إلى عوالم أخرى بواسطة دنكان ويديربيرن، وتعود بيلا إلى أدراجها مرة أخرى بعدما تكتشف حقيقة العالم من حولها، وتكشف حقيقتها وماضيها التي كانت لا تعلمه.

الفيلم ليس لسيناريو أصلي حيث أنه مقتبس عن رواية كائنات مسكينة: حلقات من الحياة المبكرة لأرشيبالد ماكاندلس (دكتور في الطب، مسؤول الصحة العامة الاسكتلندي) وهي رواية للكاتب الاسكتلندي ألاسدير جراي، نُشرت في عام 1992. 

فازت بجائزة ويتبريد وجائزة الغارديان للخيال في نفس العام، ونقلها جراي نفسه إلى السينما في فيلم Poor Things بمساعدة السيناريست توني مكانمرا، وبالرغم من أن السيناريو ليس أصليًا إلا أن الفيلم لم يقع مطلقًا في فخ الطابع الروائي.

لكنه ابتكر أسلوبًا وشكلاً جديدًا لسيناريو أفلام ما بعد الحداثة، وهي تلك المدرسة التي تنتمي إليها أغلب أفلام لانثيموس، والتي مكنته من تحقيق مقولته: "أصنع أفلامًا لاستكشاف المفاهيم وطرح الأسئلة، لكشف السلوك البشري، بحيث يكون الناس متحمسين بما يكفي لبدء التفكير بأنفسهم ووضع افتراضاتهم الخاصة".

يبدأ الفيلم بغموض تام حول بطلته وينتهي بمعرفة بطلته حقيقة العالم وحقيقتها، سطر يبدو أنه لفيلم تقليدي وقصة عادية ولكن الحقيقة غير ذلك تمامًا؛ فالفيلم لا يعرض قصة تقليدية لامرأة ما وحسب.

 فـ "بيلا" هي امرأة تعيش في العصر الفيكتوري بلندن في أوائل القرن التاسع عشر ولكنها تمثل المرأة الآن، وكأن الفيلم يريد إيصال فكرة هامة جدًا، وهي أن المرأة تسعى للتحرر واكتشاف نفسها منذ قرون ولكنها لم تأخذ فرصتها كما ينبغي، في هذا الفيلم تأخذ بيلا فرصتها وتنطلق وتغرد خارج السرب المعهود لكل مخلوق. 

تعيش بيلا في بيت دكتور جودوين وتلقبه بـ "الإله" وتناديه بذلك في أغلب الأوقات، إذ أنه ينعت نفسه هو الآخر بهذا باعتباره مكتشف وخالق الكائنات ومسوخ عدة ويظهر ذلك من خلال سريالية الفيلم؛ إذ نرى كلبًا بجسم دجاجة وخنزيرًا في جسم ديك وأوزة في جسم كلب وغيرهم.

وفي البيت نرى "بيلا" من خلال عدسة عين السمكة والتي تم استخدامها ليظهر كل شيء في بيت دكتور جودوين قبيحًا وسيئًا إلا بيلا التي بالرغم من استخدام تلك العين إلا أنها تظهر جميلة وبريئة، وهذا مثال على ما ترسله الصورة السينمائية واللغة العبقرية داخل هذا الفيلم. 


وحش فرانكشتاين

كما ذكرت تدور الأحداث في العصر الفيكتوري للندن، ألا يذكرنا ذلك بشيء؟ إنه العصر ذاته الذي عاش به دكتور فيكتور فرانكشتاين صانع الوحش الأشهر في تاريخ أدب الرعب والخيال العلمي، وأسطورة الكاتبة "ماري شيللي" التي مازالت حية إلى الآن. 

دكتور جودوين باكستر في نظري هو نسخة أخرى من فيكتور فرانكشتاين ولكن بيلا ليست وحشًا عاد ليدمر خالقه، بل أنها ليست وحشًا على الإطلاق، فهي طفلة تريد معرفة ما يحدث خارج نافذة غرفتها.

تتهجأ الكلمات وتأكل بعشوائية وتتحدث بتلقائية؛ فهي تفعل كل ما يفعله الأطفال وتفكر مثلهم، ولكن كل ذلك ونحن نرى أنثى يافعة بالغة الجمال فكيف ذلك؟

إنه السر الذي سأله تلميذ دكتور جودوين "ماكس" دون إيجاد إجابة من أستاذه الذي يكلفه بمتابعة سلوك بيلا وإرسال تقرير يومي عنها، هذه العلاقة البحثية بين ماكس وبيلا تجعله في النهاية يقع في حبها حينما يصل لبداية الحقيقة! 

في ذلك الوقت يتلقي دنكان ويديربيرن من خلال زيارة لبيت دكتور جودوين، يتأكد دنكان الشهواني أنه أمام كنز لن يتكرر مرة أخرى؛ فدنكان والذي يلقب نفسه بـ "زير النساء" لا يستغرق وقتًا طويلاً في إيقاع "بيلا" الطفلة في حبه، مستخدمًا الاعيبه الصبيانية والتي يستخدمها بمهارة دومًا في إيقاع النساء من أجل قضاء ليالي معهن.

إذ يجعل بيلا للمرة الأولى تتمرد على "الإله" وتقف أمامه مختارة حريتها على البقاء في منزله، وتقرر الهروب مع دنكان إلى "العالم" قبل زواجها من "ماكس" بأيام قليلة.

يحاول جودوين إيقافها ولكنه في النهاية يعرف أن لا مفر من ذلك ويدعها تذهب وهنا نعرف أن دكتور جودوين باكستر ليس ببشاعة وجبروت فيكتور فرانكشتاين؛ إذ أنه يدع مخلوقته بيلا تكتشف العالم ولكنه لم يعلم أنها ستكتشف حقيقتها وحقيقة ما فعله بها. 

كل ما سبق في إطار القصة يعتبر المقدمة العامة للفيلم أو كما تسمى في الرواية "التمهيد" أو "Prologue"، والذي انطلق منها الفيلم لهدفه الرئيسي وهدف مخرجه أيضًا وهو الغوص في أعماق شخصيته الرئيسية.

والأمر يضاهي في متعته أي قصة أخرى لنا كمتفرجين لأننا نعلم -على عكس البطلة- جزءًا من الحقيقة، ولأنها لا تعرف أي شيء على الإطلاق، وكأن الفيلم يريد منا أن نكتشف أنفسنا معها ونجد إجابة لكل سؤال تطرحه خلال رحلتها عَبر البحار مع دنكن.


أليس في بلاد العجائب تعود في ثوب "بيلا"؟!

في الفصل الثاني من فيلم Poor Things؛ أي في رحلة بيلا عَبر البحار، نرى تشابه بيلا الكبير مع "أليس" وتشابه دانكن مع الأرنب الذي أخذها لجحره نحو بلاد العجائب والتي فيها اكتشفت الكثير عن الحياة والأشخاص وعرفت العديد من المعاني الطيبة كالصداقة والحب، والمعاني الخبيثة كالكذب والنفاق. 

 والجدير بالذكر أن "أليس في بلاد العجائب" هي رواية الكاتب الإنجليزي "لويس كارول" الذي عاش ومات في العصر الفيكتوري أيضًا، فهل هذه صدفة؟ بالطبع لا.

هذه الرواية التي رأى فيها "كارول" آنذاك أن الطفولة مكان خطير مهدد دومًا بالموت والفناء في ظل وحوش العالم مثل ملكة القلوب ليس للأطفال مخرج إلا في الخيال واللا واقع.

ففي العصر الفيكتوري كيف كانت ستعيش أليس فعلاً في وجود وحوش أخرى مثل مسخ فرانكشتاين؟ ولكن ماذا لو كانت أليس هي المسخ نفسه؟ أقصد "بيلا" في عالم فيلمنا الذي نتحدث عنه. 

تمر  بيلا بثلاث محطات رئيسية (لشبونة - الإسكندرية- باريس) تعرف في كل محطة منهم حقائق عدة عن عالمنا البشع الذي نعيش فيه، كما تعرف أيضًا مساوئ دانكن وحقيقته كمستغِل جشع لا يفكر إلا في متعته الشخصية وحسب.

مع المحطة الأخيرة يكون التوتر في علاقتهما قد وصل إلى أشده ويفترقان، في لشبونة ترى بيلا مباهج الحياة ومتعتها، تشرب الخمر وترقص وتمارس الجنس، تقرأ الكثير وتقابل أنواعًا مختلفة من البشر، تشعر برغبة عارمة في معرفة جوانب أخرى من العالم ومعرفة نفسها، تشعر بالملل من دانكن المتكرر والذي لا هدف لديه سوى متعته الجنسية وحسب. 

تنتقل السفينة إلى مرسى بالإسكندرية وهناك ترى بأعينها الفقر والجوع والمرض، وتقارن نفسها بهؤلاء المساكين الذين لا يملكون شيئًا على عكسها وتكرر مساعدتهم بنية طفل مسكين فتسرق أموال دانكن التي اكتسبها من القمار وتعطيها لفردين من طاقم السفينة لإرسالهم للفقراء.

لكن بيلا الطيبة التي لم تعرف بعد سوء العالم، لم تكن تعرف أيضًا أن ذلك لن يحدث، وظنت أنها قد ساعدت المساكين ولكنها في حقيقة الأمر ساعدت العالم في زيادة بشاعته! 

وقبل الوصول إلى باريس تكون بيلا قد نضجت ويخبرها الدكتور الشاب "هاري أستلي" كيف يثير العالم بعبثية ويتحدثان سويًا عن الوجود والعدم واستغلالية المجتمع للفرد والحد من حريته  ينصحها بالتحرر من أي قيود لديها لتجد نفسها، تكثر الأسئلة الفلسفية برأسها ولا تجد أية إجابات لها ولكنها تتأكد من وصولها لهم ذات يوم. 

وفي باريس يكون دانكن قد وصل لأعلى درجات غضبه من بيلا، ينعتها بالعديد من الشتائم ويحقر من شأنها، ولكنها تخبره أنها مثلما أضاعت ماله ستأتيه بغيره وتذهب إلى أقرب مكانًا حولهما تتحدث مع امرأة غريبة الشكل موشومة وهي "كاثرين هانتر" لتسألها عن وظيفة.

تأخذها "كاثرين" إلى الداخل، حيث الماخور الذي يلعب دورًا هامًا في بلورة شخصية "بيلا"، إذ هناك تكتشف المرآة الأخرى للرجال "كوحوش شهوانية" مثل العالم الذي يأتون منها ولكنها على الأقل.

تستطيع جني المال لتحقيق هدف استطاعت إيجاده هناك وهو دراسة الطب البشري، فذلك التطور الملحوظ في شخصيتها لم يكن ليحدث في عدم وجود صديقتها الاشتراكية "توانيت"، والتي وجدت خصيصًا لتساعد بيلا في إعادة اكتشاف نفسها من جديد. 


فلسفة الشخصيات

تواجه بيلا بعد ذلك الحقيقة المؤلمة وتعرف أنها مجرد مسخ خلقه دكتور جودوين، إذ يخبر دانكن السيد "ألفي بليسينغتون" أن زوجته "فيكتوريا" مازالت حية ولكنها قد غيرت اسمها لـ "بيلا".

 فعل دانكن ذلك انتقامًا منها لما فعلته به قبل وصولهما لباريس، آنذاك تعرف بيلا أنها من صنع جودوين إذ وجدها بين الحياة والموت وبداخلها جنين، كان عقلها قد تدمر ولكن جنينها مازال حيًا، راعها جودوين حتى أنجبت الطفل وقرر أن يستبدل عقلها المتدمر بعقل طفلتها.

هكذا نعرف أن بيلا كائنًا مسكينًا ضحية لأم قررت التخلي عنها ولدكتور مضطرب قرر التحكم في حياتها، كائن كان يمكنها أن تتحول إلى وحش كفرانكشتاين، ولكنها في رحلة العجائب نضجت وعرفت معنى الإنسانية السامي. 

الأمر الذي يجعلها تقرر الذهاب مع "ألفي" لمعرفة السبب الذي جعل أمها -التي تعيش في جسدها- تنتحر، وهناك نرى اضطراب ومازوخية ألفي ووحشيته.

نرى جنونه في معاملة كل من حوله حتى هي، ويخبرها كم كان سعيدًا مع "فيكتوريا" التي كانت تشاركه في كل جنون واضطراب.

ولكن عقل بيلا يتأكد أن أمها كانت مجبرة على عيش حياة كريهة، لا تريد إنجاب طفلاً فيها حتى لا تجعله تعيسًا ولهذا قررت الانتحار، مما يجعل بيلا تنتقم لأمها مستخدمة نفس أسلوب دكتور جودوين؛ إذ حولت ألفي إلى إنسان بعقل معزة، تأكيدًا أنه لا يستحق مطلقًا لأن يكون إنسانًا. 

فيلم Poor Things ليس فيلمًا تقليديًا على الإطلاق؛ فصورته البصرية غنية جدًا تشعرك أنك لست في فيلم ولكن في متحف من اللوحات الفنية السريالية منها والواقعية.

 ذلك بالإضافة إلى التمثيل الذي وصل كل ممثل داخله إلى الذورة وقدم أحسن ما لديه من تماهي وتشخيص. 

علاوة على ذلك وهو هدف المقال الرئيسي السيناريو والقصة؛ فالبنسبة إليّ هو فيلم مقتبس عن ثلاث روايات وليست واحدة، وجاء الاقتباس من فرانكشتاين وأليس في بلاد العجائب في صورة ذكية للغاية تناغمت مع قصة الرواية الأصلية.

 وتداخلت لتحقق الهدف المنشود لمخرج الفيلم وهو التعمق في شخصية أبطاله، ليتحول سيناريو الفيلم -الغير أصلي- بعد هذا المزج إلى سيناريو أصلي في بنيته ودراماته وفلسفته الحديثة التي غرضها طرح معاني عدة؛ كالإنسانية والتحرر والوجود ومقارنتها بوحشية العالم وغموضه وعبثيته واستغلاله للإنسان في كل العصور.

ذو صلة

 كل هذه المفردات جاءت معبأة بالكوميديا والخيال والدراما النابعة من تركيب شخصية “بيلا”  الديناميكي، والتي تعتبر من أحسن الشخصيات النسائية التي كتبت وتم تمثيلها في الأعوام الأخيرة.

أحلى ماعندنا ، واصل لعندك! سجل بنشرة أراجيك البريدية

بالنقر على زر “التسجيل”، فإنك توافق شروط الخدمة وسياسية الخصوصية وتلقي رسائل بريدية من أراجيك

عبَّر عن رأيك

إحرص أن يكون تعليقك موضوعيّاً ومفيداً، حافظ على سُمعتكَ الرقميَّةواحترم الكاتب والأعضاء والقُرّاء.

ذو صلة